الفكر الإسلامي

ما تحويه سورة الكهف من إشارات إلى الفتنة الدجالية

الحلقة (28)

 

بقلم : الباحث الإسلامي الكبير الأستاذ السيد مناظر أحسن الكيلاني رحمه الله

أحد كبار علماء جامعة ديوبند ، المتوفى 1375هـ / 1956م

تعريب : الأستاذ محمد عارف جميل القاسمي الأعظمي

 

اليأجوجية و المأجوجية

     ودونك سورة الكهف بهذا المنظار تجده قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّوْرِ ، فَجَمعْنَاهُمْ جَمْعًا) ثم تابع قراءة الآيات التي تنتهي بها سورة الكهف . وإليك هذه الآيات ، وما توصلت منها إليه ، مرتبةً:

     فالآية الأولى : (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِيْنَ عَرْضًا) .

نفور من الله تعالى نفسه :

     ثم ذكر القرآن الكريم صفات الكافرين هؤلاء قائلاً : (اَلَّذِيْنَ كَانَتْ أعْيُنُهمْ فِيْ غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِيْ وَكَانُوْا لاَيَسْتَطِيْعُوْنَ سَمْعًا) .

          ولا يخفى أن الجــزء الأول – وهو عرض جهنم – لايمكن إدراكه قبل ذلك اليوم ، ولايدركه إلا من يعرض عليه جهنم عرضًا . وأما الجزء الثاني فلا يُحوِجُنَا إلى أن ننظر قيام الساعة ؛ فإنه يحدث في هذه الدنيا . فتفقّد الأمم التي تحمل هذه الصفات والخصائص ، ولا يسعنا أن ندّعي أن المشركين عبدة الأصنام أو غيرهم من الأمم ، التي تنتمي إلى الملل والأديان الأخرى – سواء نفعها هذا الانتماء أم لم ينفع – قد اعتزلوا ذكر الله تعالى ، وتحاشوا عنه كل التحاشي ؛ فإننا لانجد أمة من الأمم تجنبت ذكر خالق الكون ، ولو بجانب الآلهة الأخرى .

     ثم الشطر الآخر من هذا النبأ ، وهو قوله : (لاَ يَسْتَطِيْعُوْنَ سَمْعًا) أي سمع ذكري انظر من ذا الذي لايستطيع سمع ذكر الله تعالى ؟ تأمّل في كتاباتهم ، وخطاباتهم تجدها عامرةً بذكر كل شيء ، وإن خلت فإنما تخلو عن ذكر خالقهم خالق الكون . ومن ذا الذي بلغ به الاشمئزاز والكراهية إلى الاستهزاء والسخرية ؟ وهل مما يحتاج إلى بحث ودراسة ؟!

          وما قاله الشاعر الأردي الناقد «أكبر» مامعناه:

     «لقد تردّد أصحابي إلى مركز الشرطة ليبلّغوه أن «أكبر» يفتأ يذكر الله في عصرنا هذا»

     لا يزال مشتهرًا على ألسنة العامة ، وهل هذا مجرد صدفةٍ أو أن لباقته وفكاهته تكنّ في طيات شعره حقيقةً .

     ونعم ما قال الشاعر الفارسي مامعناه :

     «وكيف نردّ على هذا الكلام ، ولايخفى عنّا أيضًا» .

التعويل على العباد ، دون اللّه تعالى :

     ثم قال تعالى : (أَفَحَسِبَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا أَنْ يَّتَّخِذُوْا عِبَادِيْ مِنْ دُوْنِي أوْلِيَاءَ ؛ إنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِيْنَ نُزُلاً) .

     ولك أن تستوحي من هذه الآية – إذا ما أمعنت النظر فيها – نوعًا معينًا من الإشارة إلى ما يميل إليه الطبيعة الإنسانية عندما تستنكف عن ذكر الله تعالى كل الاستنكاف ، ولا أقل فيما يشعر به هذا العبد الفقير . وإن أقرب وجه إلى التخلص أو الفرار من المسؤوليات الدستورية التي فرضها الله تعالى في فترة البلاء العابرة الحاضرة من الحياة : أن يقطع المرء كل صلته بالخالق ، ويفعل ما شاء له الهوى قائلاً : «مالله بيني وبينك» .

     وإن الحياة الإلحادية تكنّ – عادةً – مثل هذه الشطارة ، والوقاحة عن وعي أو غير وعيٍ . وهذا جانب من جوانب الحياة الإلحادية اللادينية . وبجانب ذلك نرى الإنسان الذي هو كله حاجة ، وكلّه فقر بالنسبة إلى أوضاعه الخاصة ، وإن شئت قلت : إنه كله استجداء ، وتسوّل ، وتكفف ، لاغيره ، إنه لا يستطيع أن يقضي لمحةً من حياته دون مساعدة من خارجه ، وإن حاجته إلى غيره في مأكله ، ومشربه ، وملبسه ، وحتى في تنفسه خاصة من خواصّ حياته مما لاسبيل إلى تجاهله ، وغضّ البصر عنه ، إنه يمرض ، وإن مناطقه التي يسكنها كثيرًا ما تتعرض للأوئبة المروّعة ، وقحوط المطر والسنة ؛ تشتعل فيها نيران الحرب ، يسودها الفوضى والاضطراب . فماذا عسى أن نقوم به لمواجهة هذه ، وأمثالها من الأحداث والمواقف .

     فذلك سؤال شرّد «ذهن» ابن آدم ، وأقضّ مضجعه منذ عهد من التأريخ مجهول . إن الإنابة إلى الخالق ، وصياغة الحياة وفق ما تُملِيه ولايتُه ، ذاك حلّ لهذه المشكلة يبدو سهلاً ميسورًا ؛ إلا أن الذي خلق الإنسان ، إذا كان خلقه لتحقيق هدف من الأهداف ، فمن الطبيعي أن يعود على عاتقه – في هذه السبيل – مسؤوليات ، وواجبات . فما نادى به القرآن الكريم : (وَإذَا سألَكَ عِبَادِيْ عَنّيْ فَإنّيْ قَرِيْبٌ، أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وأتبعه قولَه : (فَلْيَسْتَجِيْبُوْا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوْا بِيْ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُوْنَ) يرشد إلى القيام بهذا الجانب الآخر، أي إنكم إذا كنتم ترغبون أن تنالوا منّي شيئًا فأتوا الذي أريده منكم (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُوْنَ) أي إن هذه هي السبيل الطبيعية إلى الرشاد ، والهدى .

     وأما الذين يريدون أن ينالوا كل شيء، دون أن يتحملوا شيئًا من المسؤوليات والواجبات تجاه خالقهم فإن صنفًا منهم من افترض ، واختلق عددًا من الآلهـــة – أي الأصنام والأوثان من خلق الله تعالى – بينهم وبين الله تعالى ، والحق أنهم – وَعُوْا أم لم يعوا – قد شقّوا بهذه الحيلة في زعمهم – نعم مجرد زعمهم – طريقًا لعملهم مما يزعمون أو يتوهمون أنه يحقق أهدافهم ويُشبع رغباتهم دون أن تقع على عواتقهم مسؤولية من المسؤوليات ، ويظنون أن هذه الوسائط والآلهة التي اتخذوها من دون الله تعالى سوف ترضى بما يقدمون لها من قرابين ، وبالتالي تضمن لهم تحقيق حاجاتهم وأغراضهم ، دون أن تطالبهم بالتقيد بشيء دستوري وقانوني .

     فهؤلاء يتوخّون أن تتحقق أهدافهم ، وتقضىٰ حاجاتهم دون أن يتحملوا مسؤولية دستورية ، وإنهم يرون تقديم الغالي والثمين من القرابين إلى هذه الآلهة أهون من أن يفرضوا على أنفسهم ، وعلى أهوائهم التزاماتٍ وتبعاتٍ . ومن المشاهد أن المشركين لايشعرون بشيء من التبعة والمسؤولية الخلقية أو الدستورية التي تفرضها عليهم آلهتهم من دون الله تعالى ، وإن أنفقوا – على عبادة هذه الآلهة ما أنفقوا من الأموال . فكَأنّ هذا الصنف توصَّلَ في وأد الشعور بالمسؤولية – التي فرضها الله تعالى – إلى ما يُغنيه عن القيام ، والمسؤول بين يدي الله تعالى . فلا على هؤلاء إلا أن يتقدموا إلى آلهتهم التي خرقوها من دون الله زعمًا منهم أن هذه الآلهة قد رضي الله عنها ؛ فلا تعجز أن تطلب من الله تحقيق أهدافهم وحاجاتهم .

     وبإزاء ذلك سبيل أخرىٰ ، هي أنهم يفرون من الله تعالى حفاظًا على حريتهم واستبدادهم ؛ فلايريدون أن يذكروا الله ، ولوناسِينَ ، ولا هو يحضرهم . وأما فيما يخصّ حاجات الحياة ، ومتطلباتها فقد استبدلوا فئة من الاختصاصيين الفنيين (Technical Experts) بالآلهة الغائبة التي اختلقها المشركون ، وبالمتقربين إلى الله زلفىٰ في زعمهم ، فيُعْنَون بتعليمهم وتربيتهم ، وينفقون عليها أكثر مما يُعنى المشركون بآلهتهم ، وينفقونه إرضاءً لها ، ثم يرجعون إلى هؤلاء الاختصاصيين في كل ما يهمّهم ، وتنقضي حياتهم كلها في توليهم، ويضيق عليهم العيش ؛ بل يفوق تصورهم أن يعيشوا في مكان يتوجسون فيه خيفة تلاشي أوليائهم هولاء. وبجانب هؤلاء الاختصاصيين الفنيين، فئة من القادة والزعماء يعوّل عليهم في الحاجات الاجتماعية عادةً .

     وخلاصة القول إنه قد اتَّبعَ هاتين الطريقتين أو إحداهما من اتّبَعَ تخلصًا من المسؤوليات التي فرضها الله تعالى ، دون أن يعرقل شيء في سبيل تحقيق حاجاتهم وأغراضهم . ويصف القرآن الكريم – عادةً – موقف المشركين هذا بـ (اتّخذُوْا مِنْ دُوْنِ اللهِ آلِهَةً) .

     فالقرآن الكريم عادةً يسمي الذين يعوّل عليهم المشركون في قضاء حاجاتهم ، وتحقيق قاربهم ، ويرجعون إليهم بـ«الآلهة» . وعلى العكس من ذلك نجده في الآية السالفة من سورة الكهف : (عِبَادِيْ مِنْ دَوْنِي أوْلِيَاءَ) . كما نرىٰ القرآن الكريم يصف عامة آلهة المشركين بـ (إنْ هِيَ إلاَّ أسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا) وهذه الأسماء لا تمّت إلى مسمياتها بسبب بمعنى أن ما يعبّر عنه هذه الأسماء لايحمل الوجود . وإن عامة آلهة المشركين لا تعدو أسماءً سمّوها . وربما لاتمتّ هذه الآلهة بسبب إلى ما ينسبها المشركون إليه من الكمال والتصرف . فكأنما سمّي الحجرُ ماءً، ثم يأمّل بهذه التسمية أنه يمكن اعتياض الحجر عن هذا الماء .

     ولايخفى أن هذا الاسم الموضوع المختلق عبارة عن اسم فَقَدَ مسمّاه . وإن النص القرآني الانتقادي (إنْ هِيَ إلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوْهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ) لينطبق تمامًا على آلهة المشركين بشكل أو آخر .

     وبإزاء ذلك فئة من الأولياء التي اتّخذها الفارّون المتخلصون من المسؤوليات الدستورية التي فرَضها ، وسمّوها بالاختصاصيين (Experts) والقادة (Leaders) لايخفى أنها تختلف عن آلهة المشركين في هذا الخصوص . أي أن فئة الاختصاصيين والقادة – في الواقع – من عباد الله تعالى وخلق من خلقه ، كما أن الذين يعوّلون عليهم خلق من خلق الله وعباده . وإنهم ليسوا مثل آلهة المشركين في الانعزال عن الحاجات التي يتمّ التعويل عليهم فيها . وإنما يُعلَّم هؤلاء الاختصاصيين طرق التعرف على السنن الإلـٰـهية، ثم التوصل من خلال هذه المعرفة إلى النتائج العملية، وسواء ضمنوا تحقيق الحاجات المنشود تحقيقها أم لم يضمنوا ، إلا أننا لا يسعنا أن نعتبرهم بمعزل عن هذه الحاجات مثل الآلهة التي يتخذها المشركون .

     وعلى كل أرىٰ أن ماورد في هذه الآية من قوله تعالى : (أنْ يَّتَّخِذُوْا عِبَادِيْ مِنْ دُوْنِيْ أوْلِيَاءَ) بدلاً من «آلهة من دوني» يشير ظاهره إلى نوع آخر من الحيلة التي تسوّغ لهم – فيما أرى – التحرر والتخلص من المسؤوليات الدستورية التي فرضها الله تعالى ؛ فيتّخذ من يتّخذ الاختصاصيين والقادةَ أولياء بدلاً من الآلهة الوهمية المنحوتة المزعومة ، وهكذا تمّ له شقّ طريق إلى عيش الحياة بعيدًا منقطع الصلة عن ربهم وخالقهم جلّ مجده كل الانقطاع. وعليه نَبّهَ القرآن الكريم قائلاً : (إنَّا اَعْتَدْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِيْنَ نُزُلاً).

     أي إن الفترة العابرة الحاضرة من الحياة التي لابد وأن تنقضي ، وإن كل إلا وسيمرّ عليه هذه الفترة من حياته . وإن الذين سبقوا من المشركين الذين أوجدوا حيلة تخلصهم وتحررهم من المسؤوليات التي فرضها الله تعالى لم يعجزوا أن يقضوا ما قدِّر لهم من ساعات حياتهم في رغدٍ أو ضنكٍ من العيش . وإن هذه الصورة الجديدة من قضاء الحياة مما تزعمونه طريقةً علميةً (Scienctific) لابدّ أن تنقضي . غير أنكم أو اولئكم هيهات أن تُفْلِتُوْا من المصير الذي قدّره الله سبحانه وتعالى. وهيهات أن تُلْغوا الهدف الذي من أجله خَلَقكم خالقُكم ثم لا تذقوا ما كسبت أيديكم ؛ فإنه سيتمثل لهم القالب والوضع الأليم الذي اصْطُلِحَ على تسميتــه جهنَّمَ ، يــوم يأتي يوم الدين ، والعاقبة .

     فاستخدام القرآن الكريم كلمات غير التي نراه دأب على استخدامه مما ينتقد المشركين وأعمالهم لايخلو – فيما أرىٰ – من سبب . وأقول للناس : إنهم لوتأمّلوا في قيمة خصائص الأسلوب القرآني لدلّهم التجارب على أن هذا التغير والتحول يكنّ نكتةً معينةً هامةً . ولاشك أني قد اضطررت إلى إطالة نَفَسي، ولكن هل من بد من ذلك ؟ فإن الإشارات المؤجزة ربما تغني فيما إذا كان الأمر مما تم توجيهه ودراسته سابقًا . ولكن اضطُرّ إلى لفتِ الانتباه إلى جوانب جديدة بغتةً .

السعي في الحياة الدنيا ، والتفاخر بها :

     ويتلـــوها آيـــة ثالثـــة أشد استدعاءً للعناية ، من هـــذه الآيـــات كلها ، وأوضــح منها معنىً ، ولا أقــل فيما أحسب وأرىٰ ، وهي قوله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَـــرِيْنَ أَعْمَالاً ، اَلَّــذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيـٰـوةِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ يَحْسَبُوْنَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُوْنَ صُنْعًا).

     فقوله : (ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيـٰـوةِ الدُّنْيَا) هذا الشطر من الآية ألْفَتُ للنظر والانتباه ، أرأيت من صَرَفَ كل رصيد من طاقاته وقواه عن الحياة الآخرة الأبدية صرفًا نهائيًا ، وأضلّها في الحياة الدنيا، وأصرّ على ذلك إصرارًا . وإنه لايدّخر أحدٌ جهدًا ، ثم يخلّف وراءه كل كسبه ، ويصير إلى الدار الآخرة ؛ فلا ينال نيلاً ، إلا يتركه وراءه ، دون أن يستَصْحبه . وهكذا تفقد كلُّ نفس كل قواه ونتائجها في رائعـــة النهار، وعلى مرأى ومسمع من الجميع ، ثم نراه قد ارتاح ورَضِيَ بضلال سعيه هذا .

     وقد بلغ تبجحهم على اعتبار ذلك حياة ناجحةً موفقةً إلى أن أصبحوا يلقون على عامة الناس ظلالَ حياتهم الغريبة الفاشلة الخائبة هذه ، ويكسبون قلوبهم إلى حدّما . وإن الإيمان بالآخرة وتأثيره قد تلاشىٰ في الأذهان أو كاد ؛ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا . ومن ذا الذي لم يُصمَّه تبجح هذه المدنيّة الملحدة (Godless) .

     وأصدقك أن روح اليأجوجية والمأجوجية يكنّها هذا النصُّ ، وهي مرأة لا تخطئ عين في معرفتها ، إذا ما نظرت فيها ، ولكن الناس حاولوا التعرف على يأجوج ومأجوج بالآذان العريضة ، والقامات القصار ذوات الأشبار . وأدرك ذوالمعرفة والعلم ضوضاء التمسح – أى التكلف والمعاناة ليكون مسيحًا – والتمهّد – أى التكلف ليكون مهديًا – غير المرضية ، وفي غير أوَانِها . والتي أثارها عواصف هذه المدنية الملحدة ، والثقافة المعادية للإنسانية . بل إن «التمسح» ، و«التمهّد» لَيْسَا الإنتَاجَ دسائس هذه المدنية والثقافة ، و«غراس يدها» .(1) وقد اعترف بذلك من ادّعاه . بينما فضَّل أصحاب الحق جانب الحيطة والحذر ، فكتموا الحق ، وستروه خشية أن يراد الباطل بكلمة الحق ممّا أدّى بأمـة – يحب عليها أن تنادى بالحق ، تشهد به في ضوء البينات القرآنية قبل كل أمة على الأقل – لا إلى أنها لاَذَتْ بالصمت ، وإنما ساهمت في أمية هذا التبجّح ، وصفقت له ، وطربت عليه واعتبرت الليل نهارًا . فَشهِدَ بطلوع القمر ، وبنات النعش في رائعة النهار فيمن شهد : أناسٌ قرأوا القرآن ، وآمنوا به ، ونعم ما قال الشاعر الفارسي ما معناه :

     إن العقل ليتحرق حيرةً ما هذا العجب العُجابُ !.

____________________

(1)     وقد عرّف الميرزا غلام أحمد القادياني نفسه على الملكة «فكتوريا» الراحلة في رسالته المنشورة بـ «غراس يدها» .

 

*   *   *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . صفر 1426هـ = مارس – أبريل 2005م ، العـدد : 2 ، السنـة : 29.